مورو (جبهة تحرير)
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
جبهة مورو الإسلامية :
الملف الصحفي :آسيا الوسطى :
تقع أرض شعب مورو [وهو الاسم الذي أطلقه الأسبان على مسلمي هذه المنطقة وما حولها] في أقصى الجنوب الفليبيني، وتتكون من جزيرة مينداناو ثاني أكبر جزر أرخبيل الفليبين [أكثر من 7100 جزيرة] وأرخبيل جزر صولو، وجزيرة بالاوان وبازيلان، وبذلك تكون مساحة مناطق مورو ما يقارب الـ 117 ألف كم2. أي أكثر من ثلث مساحة الفليبين الكلية. ويبلغ مجموع سكان جزر مورو المذكورة حوالي 21 مليون نسمة، لكن عدد المسلمين منهم محل جدل بعد أن قامت الحكومة وما تزال بتطبيق خطة توطين النصارى في مناطق المسلمين، فالإحصاءات الرسمية وطبيعة الصراع الموجود من أجل الاستقلال تقلل من عددهم وتوصله –في أحسن الأحوال- إلى 7 ملايين فقط، بينما تصل بعض التقديرات الغير حكومية إلى 15 - 18 مليون مسلم، والبقية من سكان الغابات اللادينيين والنصارى المهجرين من جزر لوزون وفيسياس الشمالية، ويدلل على هذا التباين الواضح ما قاله ميسواري: إن عدد أفراد شعب بانجاسامورو الذين يعيشون حاليا في أرخبيل الفليبين يتراوح عددهم بين 13 و 14 مليون نسمة وهو يتجاوز تقديرات حكومة مانيلا بكثير. ومن السلطنات الإسلامية المشهورة في جزر جنوب الفليبين: سلطنة صولو التي ضمت جزر صولو، وطاوي - طاوي، وبالاوان، والجزر المجاورة، وسلطنة ماجوانداناو التي يعيش معظم المسلمين في أراضيها اليوم. وقد أخذت الحكومات المتتابعة في الفليبين تستخدم طريق تهجير المسلمين بالقوة وإحلال النصارى بدلا منهم، وإقامة الحكم النصراني في محافظات المسلمين، ومصادرة الممتلكات، وتسليم النصارى المهام العسكرية والاستراتيجية والوظائف الحكومية والسيطرة، لكن الوعي بين مسلمي مورو لم يُؤَدِّ إلى تحرك منظم إلا بعد سنوات، وذلك عندما تبلور تنظيم جبهوي من قبل الطلبة في الخارج، الذين كانوا يدرسون في الجامعات والمعاهد الإسلامية في الشرق الأوسط، بدءاً من عام 1962م حيث تكونت النواة الأولى للجبهة. وعلى الرغم من أن المورويين من الطلبة والمثقفين قد بدءوا السعي لعمل منظم منذ بداية الستينيات، فإن ذلك لم يظهر للعيان إلا في عام 1968م عندما وقعت مذبحة المائتي مسلم وزادت أعمال التمييز العنصري ضدهم. وما بين عامي 1968 – 1971 تزايد نشاط الطلاب المورويين وارتفعت درجة الوعي تأثرًا ببداية موجة الصحوة الإسلامية بينهم، واستذكار تاريخهم المغيب عن أذهانهم، فكانت بداية شعلة الحماسة الدينية والقومية والعمل السياسي الذي تمخض بعد تجمعات متناثرة بظهور 'جبهة تحرير مورو الوطنية'، وبدأت دول الجوار الفليبيني تسمع عن المعارك العسكرية في مينداناو، وتعددت أطراف الصراع ما بين الميليشيات المسلمة والنصرانية والجيش وميليشيات أصحاب المصالح التجارية كتجار أخشاب الغابات، وبدأ المورويون الخروج إلى دول أخرى مسلمة للتدريب العسكري في الوقت الذي كانت ولاية 'صباح' الماليزية مَعْبَرهم ومركزهم الأقرب إلى ساحة النزال. وعلى أبواب عام 1971م سيطرت الشرطة العسكرية على كثير من المدن بسبب اتساع دائرة أحداث العنف، وأغلقت المدارس والمصانع، وأهملت الحقول الزراعية، وتعثرت التجارة، وبدأت محنة لاجئي الحرب، ودخلت إلى المسرح ميليشيات 'إلاجا' النصرانية، وكان من أوائل التقارير الغربية البارزة تقرير لـ [البي بي سي] عن مذبحة في مسجد قتل فيها 65 من الرجال والنساء والأطفال. وفي 21 يوليو من العام نفسه وَقَّع زعماء جبهة مورو نداء طالبوا فيه الحكومة بوقف العنف، لكن حكومة ماركوس اعتبرته تهديدًا لها. وبعد قتل بعض تجار الأخشاب من النصارى، ردت الحكومة على ذلك بقصف جعل الأوضاع خارجة عن التحكم مع حلول شهر سبتمبر وسقوط المئات من المقاتلين المسلمين والجيش في حروب أكتوبر ونوفمبر عام 1971م. وفي يناير من عام 1972م بدأت الحكومة تحركها الدبلوماسي لمواجهة تحرك المسلمين الفليبينيين المماثل، فحاولت تحسين سمعتها بتنظيم زيارة لثمانية من سفراء الدول الإسلامية في مينداناو لإقناعهم بأن اتهام الحكومة بارتكاب مذابح غير صحيح، لكن وزراء خارجية الدول الإسلامية، وفي أول دور دبلوماسي لهم، طالبوا الفليبين بصون حياة وحقوق وممتلكات المسلمين في اجتماعهم الثالث في جدة، وقام وفد دبلوماسي مصري وليبي بجولة داخل البلاد قالوا على إثرها: 'إنه ليست هناك أدلة قوية على وقوع مذابح، ولكن الواضح أن حربًا بدأت رحاها تدور بين المسلمين والمسيحيين'! وكان التطور السلبي الآخر عندما أعلن الرئيس الفليبيني ماركوس الأحكام العُرْفية في الجنوب في سبتمبر عام 1972م، وتدفقت الجيوش إلى أقاليم المسلمين، فبلغ تعداد جيش الحكومة في الجنوب ربع مليون جندي، وارتكب النصارى أفظع الجرائم من قتل جماعي وإحراق الأحياء، وانتهاك الأعراض والحرمات، وبعد شهر من ذلك أعلنت جبهة تحرير مورو الوطنية نفسها، وأعلنت أن هدفها هو الانفصال بأقاليم المسلمين عن الفليبين، وتولى قيادة الجبهة نور ميسواري، وتولى سلامات هاشم شؤون العلاقات الدولية، وصمد المسلمون بقوة في وجه الفظائع وتحصنوا في الغابات والجبال، ونال بعضهم قسطا من التدريب في معسكرات خارج البلاد، وقدر تعداد جيش الجبهة وقتها بثلاثين ألفا. وفي عام 1973م بدأ ماركوس التعامل بسياسة جديدة في الجنوب، فقد بدأ مشروعات خدمية، وأسس إدارة لإعادة الإعمار، و'بنك أمانة الفليبيني' لخدمة التجار المسلمين، وهو ما جعله يجذب قلوب بعض الأطراف المسلمة خارج الجبهة الوطنية. ومع ضغط وزراء خارجية الدول الإسلامية في اجتماعهم الرابع في بنغازي على حكوماتهم، فإنهم ظلوا مؤكدين أن القضية 'مسألة داخلية في دولة ذات سيادة'، مما جعل ماركوس يدشن جولة دبلوماسية أخرى في عواصمهم.
وتكاثرت قوة الجبهة الوطنية في عام 1974م، وكان عبد الباقي أبو بكر الأمين العام للعلاقات الخارجية لجبهة مورو الإسلامية ممثلا للجبهة في جميع المفاوضات والمؤتمرات الإسلامية منذ انضمام الجبهة إلى منظمة المؤتمر الإسلامي كعضو مراقب دائم سنة 1394هـ - 1974م، وزاد الجيش الفليبيني من حشوده، وأعاد تنظيم قواته بعد أن سيطر الثوار على جولو في أكبر معركة لهم، واكتفى وزراء خارجية الدول الإسلامية في اجتماعهم الخامس بمطالبة الفليبين 'بإيجاد حل سياسي وسلمي بالمفاوضات والاعتراف رسميًّا بالجبهة الوطنية'.
وكانت أول جولة تفاوضية في يناير من عام 1975م، وهو أول تفاوض من نوعه بين نور ميسواري وسلامات هاشم من جهة، والحكومة الفليبينية من جهة أخرى في جدة، وهنا بدأ الخلاف يظهر بين زعماء الجبهة حول أهداف وأرضية الحوار مع الحكومة، وكانت النتيجة قبول نور ميسواري؛ لجعل الحكم الذاتي مطلبًا لهم في اجتماع وزراء الخارجية السادس، وتكونت لجنة عمل لإعداد خطة هذا المشروع من قبل ممثلين عن ليبيا والسنغال والسعودية والصومال، واعترفوا - هم وميسواري - بسيادة الدولة الفليبينية على مناطق المسلمين وشرعية حكمها، مما جعل الرئيس ماركوس يستغل هذا الاعتراف ويكثف من مساعيه الدبلوماسية بفتح سفارات لدولته في السعودية والجزائر والإمارات وإيران ولبنان والكويت، ويقوي علاقته بـ13 دولة مسلمة أخرى، ويتحرك بين وزراء دول عدم الانحياز. وفي عام 1976م بدأت هدنة في الساحة العسكرية، ورغَّب ماركوس العديد من قادة الجبهة بمناصب سياسية إذا استسلموا، وهو ما حصل بالفعل مع بعضهم، وكانت أولى الاتفاقيات الموقعة 'اتفاقية طرابلس' بين ميسواري ووزير الدفاع الفليبيني كارم يلو باربيلو، التي يضمن بموجبها حكمًا ذاتيًّا لـ13 إقليمًا و9 مدن في جنوب الفليبين، حيث يكون لهم حكومة، ومجلس نيابي، ومدارس، ومحاكم شرعية، ويجري استفتاء عام وما إلى ذلك من بنود الاتفاق ولكن ماركوس أضاف عبارة تقول أن 'من حق حكومة الفليبين أن تتخذ الخطوات والإجراءات الدستورية اللازمة من أجل تطبيق جميع بنود الاتفاقية'! وهو ما كان يعني استمرار الحضور العسكري الكثيف في الجنوب، وتهجير الملايين من النصارى من شمال الفليبين إلى مناطق المسلمين لتغيير التركيبة الجغرافية للسكان، وبالتالي، تعقيد عملية تنفيذ أي حل يهدف إلى حكم ذاتي بمعنى الكلمة في زمنه أو في المستقبل. وما بين يناير وإبريل من عام 1977م نظمت هدنة عامة، وبدأت مفاوضات حول تفاصيل الاتفاقية، وظهرت العثرة الأخرى عندما تلاعب ماركوس برفضه منح الحكم الذاتي لميسوري في الأقاليم الـ13 بحجة لزوم ترتيب إجراءات دستورية، ووجود أعداد كبيرة من غير المسلمين، وبالتالي ضرورة إجراء استفتاء شعبي. وفي النهاية أعلن ماركوس القانون 1628 للحكم الذاتي في الأقاليم الـ13، ونظم استفتاءا كانت نتيجته أن 10 أقاليم من الـ 13 إقليمًا صوت غالبية سكانها للحكم الذاتي، فقسم ماركوس الأقاليم بطريقته، مما أدى إلى توقف المفاوضات. ثم لجأ ميسواري إلى اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية الثامن لعام 1977م، حيث تحدث لأول مرة، وعَبَّر عن خيبة أمله في نتائج المحادثات، ولكن يبدو أن مساعي ماركوس الديبلوماسية نجحت في جعل الوزراء يطالبون ميسواري بالعودة إلى المفاوضات! وهنا اهتزت الجبهة الوطنية داخليًّا وانقسمت القيادات، ففي 26/12/1977م تحرك سلامات هاشم والقيادات الإسلامية التوجه مثل رشيد لقمان ودوماكاو ألونتو ساليبادا بينداوتون؛ لإحكام السيطرة على الجبهة والإصرار على الاتجاه الجهادي، وفصل ميسواري لاتهامهم إياه بالخيانة، وينقسم التأييد العربي بينهما كذلك، فيميل وفد مصر لجهة سلامات ويميل وفد ليبيا لجهة ميسواري، وتفشل وساطات رابطة العالم الإسلامي بينهم، ويسافر سلامات إلى مصر؛ ليعلن تأسيس جبهة جديدة، ويحاول آخرون إبقاء الجبهة الأولى التي تضم بعض الإسلاميين العلمانيين والوطنيين، وكانت هذه بذرة ظهور 'جبهة تحرير مورو الإسلامية' في يوليو من عام 1978م.
وتستأنف المحادثات في 1978م وتطالب الحكومة باللقاء مع سلامات هاشم بدلاً من ميسواري، لكن وزراء الخارجية المسلمين في اجتماعهم التاسع في داكار يعترفون بميسواري كرئيس ومتحدث رسمي باسم الجبهة تأييدًا لموقف ليبيا، ولم ترد القاهرة جعل ذلك نقطة خلاف معها، فمنعت سلامات من السفر من مصر لحضور الاجتماع، ربما لوضوح إسلاميته واعتماد ميسواري في انطلاقة عمله على الخطاب القومي أكثر من الخطاب الإسلامي. ويقوم قادة من الجبهة الوطنية بالإيقاع بوفد عسكري برئاسة جنرال فليبيني فيقتلونهم مما أغضب الحكومة وقلل استعداها للتفاوض. و في يونيو 1979م، زار ميسواري إيران والتقى بالخميني زعيم الثورة الإيرانية، وفور عودته من هناك أعلن وبدون مقدمات رجوعه إلى الهدف الأول، ومطالبته بالاستقلال لا الحكم الذاتي، لكن الحكومة استمرت في مساعيها الدبلوماسية مع منظمة المؤتمر الإسلامي لتثبيت اتفاقية طرابلس، و لجأ ماركوس إلى المناورات؛ فقد أعطى المسلمين استقلالا داخليا بسيطا لا يذكر، مع تمسك السلطات العسكرية بزمام الأمور، وزار الحبيب الشطي أمير المؤتمر الإسلامي مدينة مانيلا سنة 1400هـ - 1980م في محاولة لإقناع الحكومة بتنفيذ اتفاقية طرابلس، وأعلن رفع الأحكام العرفية عن المناطق غير الإسلامية، أما المناطق الإسلامية فقد ظلت تحت الأحكام العرفية، وبلغ عدد المعارك التي خاضتها جبهة تحرير مورو عام 1400هـ - 1980م [79] معركة. وفشل ميسواري في إقناع القمة الرئاسية الإسلامية في الطائف، والوزارية في بغداد عام 1981م بهدف الانفصال عن الفليبين، فيما عرضت ماليزيا وإندونيسيا التدخل كـ'وسطاء آمنين' بحكم جيرتهم للفليبين.
ومن أكبر المناورات التي لجأ إليها ماركوس عام 1981م بهدف إبعاد القضية عن الصعيدين الإسلامي والدولي واعتبارها نزاعا داخليا محليا وليس إسلاميا حتى تفقد حساسيتها وخطورتها، هي لجوءه إلى إنشاء لجنة وساطة للاتصال بالمجاهدين وقادتهم تحت ستار إيجاد حل سلمي للنزاع القائم، وذلك ليتحقق له إيجاد صلح منفرد دون إشراك منظمة المؤتمر الإسلامي، وكذلك تضليل الرأي العام العالمي، وإيهامه بأن المسلمين لا يريدون بديلاً عن الحكومة الحالية، فاستخدم في تنفيذ هذا المخطط الأسلوب الاستعماري: [فرق تسد]، مستغلا أوضاع المسلمين السيئة في الفليبين، لعزل المجاهدين وإظهارهم بمظهر المتآمرين على الوطن.
فرفض المجاهدون المفاوضات التي اخترعها ماركوس وألفتها بطانته ومثلتها الفئات المنافقة من المسلمين، واشترطوا أن تكون المفاوضات مباشرة بين المجاهدين والحكومة الفليبينية دون تدخل لجنة الوساطة التي ألفها ماركوس، وأن يكون ذلك تحت إشراف منظمة المؤتمر الإسلامي، وعلى أساس اتفاقية طرابلس، وأن تعقد المفاوضات في إحدى العواصم الإسلامية، وذلك حفاظاً على معالم القضية الإسلامية.
وأمام اتضاح سوء نية ماركوس تجاه القضية ومناوراته المفضوحة أعلن الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي [الحبيب الشطي] إيقاف مثل هذه المفاوضات مع الرئيس الفليبيني. وكثيرا ما خدع الرئيس الفليبيني الرأي العام الإسلامي والعالمي، بإقامة بعض المساجد أو المدارس والمؤسسات الإسلامية التي توجهها الحكومة وتشرف عليها، ليغطي ما تقوم به الحكومة من حرب إبادة المسلمين وتصفيتهم، حيث يفتخر بأن الفليبين هي الدولة الوحيدة ذات الأغلبية النصرانية في آسيا، وقد زاره بابا الفاتيكان عام 1981م كدليل على اهتمام الصليبيين بهذه الدولة، التي يريدها البابا منطلقا للكاثوليكية وللتبشير في آسيا.
فحكومته تتعاون مع القساوسة بإنشاء مدارس تنصيرية لتنصير أبناء المسلمين، مع حرمانهم من إنشاء مدارس خاصة بهم. كما يقوم الجنود الفليبينيون بالزواج من المسلمات بالقوة، لتكوين جيل نصراني أو نصف نصراني على الأقل. وعملت حكومة ماركوس على تفريق كلمة زعماء جبهة تحرير مورو فظهر انشقاق بين رجالها، حيث أعلن مسئول العلاقات الخارجية للجبهة 'سلامات هاشم' استقلاله من الجبهة مع بعض مؤيديه، فسارعت الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي في محاولة مخلصة لتصفية الخلافات وتقريب وجهات النظر. هذا فضلا عن ظهور طائفة شيوعية يسارية، تظهر بمظهر الحريص على الحرية وعلى الإسلام، وهي في الواقع تتجه بكل كيانها إلى موسكو، وتعمل من أجل احتواء حركة الجهاد، والاتجاه بها وجهة شيوعية إلحادية من أجل القضاء على الإسلام والمسلمين، وباسم الخطر الشيوعي حصلت حكومة ماركوس على مساعدات أمريكية هائلة لاستخدامها ضد المسلمين، وأخذت الصحف الفليبينية تنشر أخبار الاشتباكات مع المجاهدين على أنها معارك بين الحكومة والشيوعيين. وقد تعاونت العناصر الصليبية المتعصبة مع الخبراء اليهود والقوى الاستعمارية الصليبية ضد مسلمي الفليبين فقام زعماء الصهاينة بزيارات للفليبين، فقد قامت 'جولدا مائير' أيام كانت وزيرة خارجية إسرائيل بزيارة الفليبين وتعهدت في تلك الزيارة بأن تقدم 'إسرائيل' للفليبين معونات مادية ومعنوية وخبراء في مجال الشرطة والجيش، وكانت شروط هذه المعونات تنص على إجبار المسلمين على ترك دينهم واستخدام كافة الأساليب من أجل تحقيق هذا الأمل الغالي لدى أعداء الإسلام. وبذلك تطورت عمليات الإبادة وحملات التنكيل الجماعي ووصلت إلى مرحلة أكثر تعقيداً وأكثر سفورا. وفي عام 1984م، التقى ماركوس برؤساء دول بروناي وباكستان وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا لتحييد هذه الدول في مواجهته مع مسلمي الفلبين؛ ولذلك بقي موقف المؤتمر الإسلامي ملتزمًا بـ'سيادة ووحدة الفليبين'. ومنذ عام 1983م بدأت تقوى المعارضة الفليبينية بين غير المسلمين في معظم أقاليم البلاد، وأصبحت المظاهرات حدثًا متكررًا، مما جعل ماركوس ينظم انتخابات شكلية يعلن فيها فوزه عام 1986م، فدُبِّرَت محاولة انقلاب فاشلة دفعت ملايين الناس للخروج في المظاهرة المليونية المشهورة التي أسقطته، ففر هاربا هو وأسرته إلى أحضان أمريكا نصيرته وموجهته في 25/2/1986م إلى هاواي بعد أن أدى لأمريكا العديد والعديد من الخدمات الجليلة!. ومما يؤسف له أن أجهزة الإعلام من إذاعات وصحف في بعض البلدان الإسلامية تتجاهل المجازر التي قامت بها الحكومة الفليبينية ولا زالت بل إنها كانت تشيد بهذه الحكومة وتتحدث عن إصلاحات ماركوس وإنجازاته. وقد قدمت الفلبين بين عامي [1392 – 1404هـ/1972 – 1984م] : - 30 ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن. - استرقاق ستة آلاف مسلمة على أيدي الجنود الفليبينيين. - تشريد أكثر من مليوني مسلم. - فرار حوالي 300 ألف نسمة واضطرارهم إلى الهجرة إلى البلاد المجاورة – ولاية صباح التابعة لماليزيا. - إحراق 300 ألف منزل من بيوت المسلمين. - تدمير مائة قرية ومدينة إسلامية. - اغتصاب معظم أراضي المسلمين الخصبة. - تدمير أكثر من 500 مسجد للمسلمين.
وقد أدت تلك العمليات الإرهابية والمحاولات المستمرة للقضاء على المسلمين بشن الحملات العسكرية إلى انتشار الفقر والجهل الأمراض بين المسلمين، مما جعلهم فريسة لحملات التبشير والشيوعية – وللمؤثرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. ورغم ذلك بقيت شعلة الإيمان متوهجة فالمجاهدون يسيطرون على المناطق الإسلامية ما عدا بعض المدن. وسارعت بعض الدول العربية بتقديم المساعدات التعليمية للمسلمين هناك حيث تساهم رابطة العالم الإسلامي بدور كبير في ذلك.
وبقيت في المناطق الإسلامية مئات المدارس الابتدائية والمتوسطة وعشر مدارس ثانوية وست كليات إسلامية ضمن جامعة إسلامية تدار جميعها بالجهود الذاتية، في حين تحاول الحكومة الفليبينية جاهدة أن تضم هذه المؤسسات التعليمية إليها.
ويقدر عدد المساجد بالفليبين بحوالي 2500 مسجد. وهذا دليل على استمرار شعلة الإيمان متوهجة في تلك البلدان المجاهدة. وتعلن دائما أنها جزء من الأمة الإسلامية. وأنها على استعداد للتعاون مع رابطة العالم الإسلامي والأزهر ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
وبعد رحيل ماركوس وصلت [كورازون أكينو] المعارضة لسياسة ماركوس إلى الحكم، ولم يتغير وضع المسلمين رغم الوعود التي أطلقتها لهم، بل استمرت في أسلوب ماركوس المراوغ، وسياسة 'فرق تسد' بإيجاد الصدع بين جبهة تحرير مورو الإسلامية بزعامة 'سلامات هاشم'، وجبهة تحرير مورو الوطنية بزعامة 'ميسواري'.
ولا تزال منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي تبذلان جهدهما للإبقاء على وحدة الصف والتنسيق بينهما حيث بدأت بوادر الشرخ بين الجبهتين تظهر بحدة. وتمت مباحثات بإشراف أمين عام رابطة العالم الإسلامي بين وفد جبهة تحرير مورو الإسلامية ووفد حكومة الفليبين في 20/9/1986م في مقر الرابطة بجدة.
واتفق على بدء الحوار مع أكينو في الفليبين تحت إشراف الرابطة، وفشلت المباحثات حيث وصفها الدكتور عبدالله نصيف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بأنها كانت مناورة. إذ يوجه حكومة أكينو مجلس الكنائس الفليبيني، حيث عينت كبار القساوسة مستشارين لها، وهم من ألد أعداء الإسلام والمسلمين.
وتخفي حكومة أكينو المواجهات المسلحة مع المسلمين، بينما تبرز الحركة الشيوعية وتنشر لها نشرات أكبر من حجمها، وتنسب إليها في بعض الأحيان العمليات الفدائية الجهادية، وذلك للفت نظر الدول الغربية والإسلامية، كما تلقى عدد من العلماء والأساتذة والدعاة في مورو الإسلامية رسائل بتوقيعات مستعارة بالتهديد بالقتل أو الاغتيال أو الخطف. ونفذت بعض التهديدات بالفعل، وثبت أن ذلك من عملاء شبكة المخابرات الفليبينية.
وفي يناير 1987م بدأ الحوار بينها وبين ميسواري مرة أخرى في جدة، لكن الحوار تعثر لخلافات حول أثر الدستور وقانون الحكم الذاتي الجديدين، ولم تتغير مواقف الدولة. كما عادت أكينو لتكرر أسلوب التأثير على الدبلوماسيين المسلمين في مانيلا.
وفي عام 1989م، أقرَّ الكونجرس الفلبينى القانون رقم 6734 الذي يمنح مينداناو الحكم الذاتي لما سمي بـ 'منطقة الحكم الذاتي لمسلمي مينداناو'، ولكن ذلك ربط بنتيجة استفتاء تنظمه الحكومة وليس طرفًا مستقلاً كالأمم المتحدة مثلاً، وكان هذا هو الاستفتاء الثاني من نوعه، لكن جبهتي مورو الإسلامية والوطنية قاطعتاه، مما جعل النتيجة لصالح الحكومة، حيث صوت سكان أربعة أقاليم فقط من مجموع 13 لصالح الحكم الذاتي، تمهيدًا لانتخابات محلية في هذه الأقاليم عام 1990م.
ومن هنا بدأ الضغط على ميسواري للقبول بالقليل من حكم لأربعة أقاليم بعد أن التقى الرئيس الفليبيني الجديد فيدل راموس بالرئيس الليبي معمر القذافي في عام 1992م.
وكانت جولة المفاوضات التي استضافتها جاكرتا عام 1993م بداية قبول ميسواري بمقترحات اللجان التي شكلها الرئيس الجديد راموس، والقرارات التي أصدرها بهذا الشأن، ودعمت إندونيسيا الاتفاق المبدئي، ورتبت زيارة للمؤتمر الإسلامي إلى صولو.
وفي عام 1994م، أقر قانون برلماني 'عفو' الحكومة عن ثوار ميسواري، وتأسيس لجان سلام مشتركة.
وتستمر المحادثات وتتعثر قرارات واتفاقيات عديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وفي نهاية المطاف، يوقع ميسواري والحكومة الاتفاقية النهائية التي ترفضها الجبهة الإسلامية في 2/9/1996م، وتنظم انتخابات محلية كان من المتوقع جدًا أن يفوز بها ميسواري كحاكم لأربعة أقاليم.
وخلال المفاوضات الأخيرة في 30/5/2000م، رفض الرئيس إسترادا مقترح هدنة لمدة 40 يومًا، وهو ما يؤكد عزم الجيش على تحقيق تقدم عسكري قبل كل شئ بالرغم من دعوة سياسيين فليبينيين عديدين لذلك، ومنهم الرئيسة الفليبينية السابقة. الحكومة من جانبها، ومع رفضها المعروف لانفصال الجنوب، كانت صيغتها شبه النهائية للحل ما قاله الرئيس إسترادا على شكل تهديد، حيث عرض اتفاقًا يضم أربع نقاط 'قابلة للنقاش' هي:
1. لزوم اعتراف الجبهة الإسلامية بمبدأ 'بلد واحد ودستور واحد' وهو بمعنى آخر الاعتراف بشرعية الحكم الفليبيني لمناطق المسلمين، وهذا قد يوقع الجبهة الإسلامية في نفس الفخ الذي وقعت فيه الجبهة الوطنية سابقًا. فالاعتراف بالدستور الفليبيني سيُضيِّق سبل الحل، وهو ما لم تفرضه إندونيسيا مثلاً في تعاملها مع تيمور الشرقية.
2. الاعتراف بحق الدولة في الحفاظ على 'وحدة البلاد الجغرافية كبلد واحد وتثبيت النظام والقانون'، وهو ما يعني إيقاف الجبهة لكل العمليات العسكرية ضد الحكومة، واعتبار ذلك عملاً إجراميًّا تحاكم عليه الجبهة أو أفراد منها، وقد بدأت الحكومة رفع قضايا ضد قادة الجبهة بالفعل في محاكمها على شكل محاكم الدول الاستعمارية للثوار.
3. تُقبل الخطط التنموية والاقتصادية الحكومية لتطبق في مناطق المسلمين. وهذا كذلك شرط ذو أبعاد وتأثيرات سياسية أكثر من كونه شرطًا اقتصاديًّا، وتحاول الحكومة استخدام سلاح التنمية لثَنْي المسلمين عن مطالبهم الاستقلالية، كما تثير الحكومة في النقاش مستقبل القوات الإسلامية وكيفية تذويبها بشكل أو بآخر، وبالتالي تبدو المفاوضات مع هذه الشروط الحكومية المتعنتة إن لم تتغير آيلَة لسراب أو طريق مسدود آخر!.
4. التزام الحكومة بتطبيق اتفاقية الحكم الذاتي للجبهة الوطنية، وهو ما يعني عدم التعامل مع الجبهة الإسلامية كبديل، ولكن كطرف آخر في منطقة أخرى، وهو ما يؤدي إلى تعميق انقسام المسلمين إلى شبه دويلتين! أو من ناحية أخرى، توسيع حكم ميسواري الذاتي على أساس قانون البرلمان رقم 7883، والذي بموجبه تسلم ميسواري حكم 4 أقاليم عام 1996م. إلى 14 إقليمًا و10 مدن في مينداناو وبالاوان، كما تقول مصادر في القصر الرئاسي، وهو ما قد يعني أنها محاولة ليس لتأسيس دويلتين للمسلمين ولكن لاحتواء الجبهة الإسلامية في ظل الجبهة الوطنية مع أن الثانية أضعف منها.
وقد حذر الرئيس استرادا الجبهة من أن هذه المفاوضات هي 'آخر الفرص وأفضلها'، رافضًا كل المحاولات لتأسيس دولة مستقلة في الجنوب، قائلاً: 'إما مقترح يونيو أو الحرب!' وكانت مانيلا تريد التوصل ولو لحل شكلي قبل اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية في كوالالمبو.
ومع أن الطرفين قد وقَّعا 'بلاغًا رسميًّا ' مشتركًا، فإن وفد الجبهة الإسلامية برئاسة البروفيسور منير باجنيد قال: إنهم سيدرسون عرض الحكومة ولكن لا يَعِدُون بالموافقة عليه، ولم يوافق على ما قاله أحد الصحفيين من أن الاجتماع كان 'تطورًا هامًّا'، بل إن أحد المتحدثين باسم الجبهة قال في اليوم التالي 2/6/2000م : 'إن الجبهة الإسلامية لن توافق بالتأكيد على عرض الحكومة… هذا ليس هزلاً ولا يمكن حل صراع طويل بإملاء حلولهم وتعيين نتيجة معينة للمفاوضات، فنحن نريد التفاوض حول حل معين وإلا لانْفَجر الخلاف من جديد… وبعد كل هذا الزمن الطويل لم يعطونا إلا هذا العرض'.
ولا يزال الجهاد الإسلامي يواجه الدوائر الثلاث: الجيش الصليبي الفليبيني الحكومي، والعناصر المتعصبة ضد الإسلام والمسلمين من المستوطنين في بلاد المسلمين الذين يعاونهم الجيش الفليبيني ويسلحهم ويدعمهم، والشيوعيين الذين يتظاهرون بالعطف مع المسلمين لينقضوا عليهم كلما وجدوا الفرصة لذلك كل ذلك مع مراوغة الحكومة وأساليبها التي لم تتغير.
( موقع مفكرة الاسلام )