مجيب الرحمن
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
مجيب الرحمن (27 جمادى الآخرة 1338 هـ/17 مارس 1920م - 28 رجب 1395 هـ/15 أغسطس 1975م) مؤسس دولة بنجلاديش.
يعتبر "مجيب الرحمن" أو "البانجو باندو" ـ ويعني أبا الأمة أو صديق البنغال ـ هو المؤسس الحقيقي لدولة بنجلاديش، التي ظهرت إلى الوجود بعد انفصالها عن باكستان سنة (1391هـ=1971م).
وقد ولد مجيب الرحمن في (27 جمادى الآخرة 1338هـ= 17 من مارس 1920م) في قرية "تونجيبار" التي تبعد (97) كم جنوب غربي دكا، ودرس وتربَّى في مدارس الإرساليات التبشيرية، ثم التحق بجامعة كلكتا، ثم جامعة دكا؛ حيث درس القانون، وقام بنشاط سياسي أدى إلى طرده من الجامعة واعتقاله، وبعد الإفراج عنه واصل نشاطه السياسي وكان من المؤيدين لـ "محمد علي جناح" في تأسيس دولة باكستان التي انفصلت عن الهند عام (366هـ=1947م)، مكونة دولة مستقلة من جناحين هما:
الجناح الغربي: ويشمل ولايات السند، والبنجاب الغربية، وبلوشستان، ومقاطعة الحدود الشمالية الغربية، ويُعرف هذا الجناح باسم "باكستان الغربية".
أما الجناح الشرقي فيضم البنغال الشرقية، ومقاطعة سيلهت، ويعرف بباكستان الشرقية، وكان هناك فاصل جغرافي بين هذين الجناحين بحوالي (1500) كم هي امتداد عرض دولة الهند، والطريق الوحيد بين جناحي الدولة الباكستانية إما فوق موج البحر بالبواخر أو فوق السحب بالطائرات.
وكان عدد سكان باكستان الغربية حوالي (58) مليون نسمة أي 35% من مجموع السكان، إلا أنهم يسيطرون على القوة السياسية والاقتصادية في البلاد، فكانوا يحتكرون 80% من الوظائف الحكومية الرئيسية، و90% من قيادات الجيش وضباطه وحوالي 70% من واردات البلاد، وكانت (22) أسرة تسيطر على الاقتصاد في باكستان الغربية.
أما باكستان الشرقية فكان يبلغ عدد سكانها (73) مليون نسمة، أي حوالي 60% من مجموع السكان، ويعدون من أفقر المناطق في العالم، يضاف إلى ذلك أن أربعة أخماس الميزانية الفيدرالية للدولة كانت تنفق في باكستان الغربية.
هذه الثنائية في التنمية بين شطري باكستان خلقت فوارق طبقية كبيرة بين سكانها وشعورًا بالمرارة والألم صاحبهما فقر مدقع، غير أن هذه المشاعر والمرارات بقيت مثل عود الثقاب الذي ينتظر الوقت لكي يشتعل .
فهرست |
[تحرير] انتخابات (شوال 1390 هـ= ديسمبر 1970)
كان الشيخ مجيب الرحمن يتزعم حزب "رابطة عوامي" التي تضم غالبية البنغاليين، ويدور برنامجه الحزبي حول ست نقاط أعلنها سنة (1386هـ=1966م)، وغايتها النهائية هي الحصول على الحكم الذاتي لشرق باكستان ، وتجريد الحكومة المركزية من سلطانها عدا الدفاع والسياسة الخارجية. وتتلخص هذه النقاط في وضع دستور جديد لباكستان يقيم اتحادًا فيدراليًا حقيقيًا، وقيام نظام برلماني تتفوق فيه السلطة التشريعية المنتخبة انتخابًا مباشرًا، وإيجاد نظامين مستقلين ومنفصلين للنقد، وضرورة أن يكون هناك سياسة مالية ونقدية لباكستان الشرقية، وإقرار حق باكستان الشرقية في إقامة ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات النظامية، ونقل سلطة فرض الضرائب وجمع الإيرادات من الحكومة الفيدرالية إلى حكومة الاتحاد في باكستان الشرقية.
كانت هذه المبادئ التي أعلنها الشيخ مجيب تعني انفصالا تدريجيًا لباكستان الشرقية، خاصة أن مجيب الرحمن عمل على تقوية علاقاته بالهند العدو اللدود لباكستان، وكان هذا التقارب بين حزب عوامي والهند يعود لأسباب عملية، فالهند هي أكبر مستورد للجوت الباكستاني الشرقي، كما أنها المنفذ الوحيد للشطر الشرقي من باكستان للخروج إلى مياه المحيط الهندي.
وعندما أجريت الانتخابات التشريعية في باكستان في (شوال 1390 هـ= ديسمبر 1970م) -وكانت هذه الانتخابات أول تجربة ديمقراطية بعد الاستقلال وبعد حكم عسكري دام قرابة (22) عامًا- فاز حزب "عوامي" بالأغلبية المطلقة؛ إذ حصل على (162) مقعدًا من أصل (313) مقعدًا هي جملة مقاعد الجمعية الوطنية، وبالتالي يحق له تشكيل الوزارة ورئاستها، وجاء في المرتبة الثانية حزب "الشعب" الذي يتزعمه "ذو الفقار علي بوتو"، ويضم في غالبيته العظمى الباكستانيين الغربيين.
وكلفت الجمعية الوطنية بوضع دستور جديد للبلاد خلال (120) يومًا من تشكليها، وكان من الضروري أن يجتمع حزبا "رابطة عوامي" و"الشعب" لوضع الدستور، إلا أن التناقض في برنامج الحزبين كان عقبة كبيرة أمام ذلك، فحزب رابطة عوامي يتمسك بنقاطه الست، وحزب الشعب يتمسك بوحدة باكستان، أما الرئيس الباكستاني "يحيى خان" فكان يؤيد مطالب حزب الشعب، ضد مطالب رابطة عوامي؛ لذا تفجرت الخلافات بين شطري الدولة، وانفلت الزمام من يد الجميع، واشتعلت الحرب الأهلية بعد ما لا يزيد عن مائة يوم من أول انتخابات عامة وحرة في باكستان.
وبلغ من تشدد مجيب الرحمن وبوتو وتمسك كل منهما بموقفه حدًا أصبحت معه إمكانية التسوية مستحيلة بعد ما فشلا في الاتفاق على وضع الدستور الجديد.
[تحرير] الحرب الأهلية
لم يجد الرئيس "يحيى خان" بُدًا من إعلان فرض الأحكام العرفية، والعودة إلى الحكم العسكري وتأجيل انعقاد الجمعية الوطنية إلى أجل غير معلوم، وأعلن موقفه الواضح من النقاط الست للشيخ مجيب الرحمن، وهي عدم المساس بالوحدة القومية لباكستان وأمنها وسلامتها الإقليمية، وعهد إلى بوتو بمهمة التوصل إلى اتفاق مع مجيب الرحمن، لكن بوتو عجز عن هذا الأمر، وأدرك الشيخ مجيب الرحمن أن الأغلبية التي تؤيده لن تقبل الحكم العسكري أو التنازل عن نجاحها الساحق في الانتخابات؛ لذا دعا إلى الإضراب العام، ثم دعا ملايين البنغاليين إلى التضحية بحياتهم في سبيل القومية البنغالية؛ فانفجر العصيان المسلح في (المحرم 1391هـ=مارس 1971م)، وتدخلت قوات الجيش والشرطة الباكستانية في الشطر الشرقي، وسقط مئات الآلاف من القتلى البنغاليين، وارتكب الجيش أعمالا بشعة ضد المدنيين ، منها مذبحة الصفوة التي قُتل فيها كثير من الأطباء وأساتذة الجامعات والكتاب البنغاليين.
أدت هذه الحرب الأهلية إلى نزوح حوالي تسعة ملايين بنغالي أغلبهم من الهندوس إلى الهند، وتعاونوا مع الهنود على إعلان الحرب على باكستان، وإعلان قيام دولة بنجلاديش في (20 من صفر 1391هـ= 17 من إبريل 1971م)، واتخذت من سوادانجا عاصمة لها، وألقي القبض على الشيخ مجيب الرحمن، غير أن تدخل الهند في الحرب ضد باكستان أدى إلى هزيمة كبيرة للجيش الباكستاني في الشطر الشرقي، حيث استسلمت قواته التي تقدر بـ (92) ألف جندي للقوات الهندية والبنغاليين.
ورفض مجيب الرحمن الدخول في مفاوضات مع "بوتو" ما دام في السجن، ورفض أن يتكلم إلا بعد أن يلتقي بشعبه، وفرضت عليه الإقامة الجبرية، وقُدِّم للمحاكمة بتهمة إثارة الحرب على باكستان، إلا أن وجود (92) ألف أسير باكستاني لدى البنغاليين والهنود عجّل بالإفراج عن "مجيب الرحمن" في (20 ذي القعدة 1391هـ= 6 يناير 1972م)، فسافر فورًا إلى لندن، وعقد مؤتمرًا صحفيًا هناك، ثم انتقل إلى العاصمة الهندية، وتم استقباله هناك استقبالا حافلا.
[تحرير] مجيب الرحمن وبنجلاديش
عاد مجيب الرحمن إلى دكا في (26 من ذي القعدة 1391هـ= 12 يناير 1972م)، وقرر أن يتولى رئاسة الوزراء بنفسه، وأن يترك رئاسة الجمهورية لأبي سعيد شودري، وقطع مجيب الرحمن علاقات بنجلاديش بباكستان، ورفض عرضًا قدمه له الرئيس الباكستاني بوتو بأن يتنازل له عن السلطة في سبيل المحافظة على وحدة باكستان، غير أنه أصر على الانفصال فلم تعترف باكستان بدولته.
وقد أصدر مجيب الرحمن دستورًا مؤقتًا ركّز فيه سلطات الحكم بيده، وجعل من منصب رئيس الجمهورية صورة شرفية، وتولّى مجيب وزارات الدفاع والداخلية والإعلام وشؤون مجلس الوزراء، واتجه إلى إصدار قرارات بتأميم 70% من محالج القطن الكبرى والجوت والشاي، ثم أعلن في (11 صفر 1392هـ= 26 مارس 1972م) تأميم المصارف والسكر، لكنه لم يقترب من حقول النفط التي كانت تستثمر بأموال أجنبية.
وقد دعت بعض الزعامات السياسية البنغالية إلى تشكيل حكومة وطنية تجمع كل الجماعات التي ناضلت من أجل الاستقلال، وضرورة إجراء انتخابات جديدة، غير أن هذا الطلب رفض، ولم تشكل الحكومة الجديدة إلا من أعضاء حزب عوامي الذين تم انتخابهم سنة (1390هـ=1970م)، وعندما أجريت انتخابات (صفر 1393هـ=مارس 1973م) حصل حزب رابطة عوامي على 73% من مجموع الأصوات، وتولّى مجيب رئاسة الوزراء، وقايض باكستان على الاعتراف بدولته في مقابل إطلاق سراح الأسرى الباكستانيين لديه، ونجح في ذلك، حيث اعترفت باكستان بدولته في (1394هـ=1974م).
[تحرير] من رئاسة الحكومة إلى رئاسة الدولة
كان مجيب الرحمن هو الحاكم الفعلي لبنجلاديش، وأطلق على نفسه "البانجو باندو"، ثم قرر أن يتولى رئاسة البلاد في (المحرم 1395 هـ=يناير 1975م)، وركّز جميع السلطات في يديه، ثم اعتمد نظام الحزب الواحد، وطارد المعارضة السياسية وجمّد الدستور، واتجه نحو الحكم المطلق، فأعلن حالة الطوارئ، وحل جميع التنظيمات السياسية، وفرض الرقابة على الصحافة، كل هذه الأمور قوّت جبهة المعارضين ضده وضد سياساته، وغذت هذه المعارضة عدم التوازن في علاقات القوة بين العناصر والقوى داخل النظام السياسي، ولعل ذلك يرجع إلى حداثة الدولة التي لم يمض على مولدها أكثر من أربع سنوات فقط.
وقد اعترى العلاقة بين الشيخ مجيب الرحمن والجيش نوع من التوتر وعدم التوازن، فالعسكريون -وهم أقوى مؤسسة في البلاد - لم يرضوا عن وضع بنجلاديش تحت الوصاية الهندية؛ لأن هذه الوصاية كانت تحرمهم من لعب دور أساسي في الحياة السياسية في بنجلاديش، وزاد من تدهور هذه العلاقة أن مجيب الرحمن أنشأ ميليشيا عسكرية خاصة به أطلق عليها "واكي باهيتي"، كان الهدف منها مساندة الرئيس والدفاع عنه، وكانت أشبه ما يكون بالجيش الخفي.
وكانت الأحوال الاقتصادية والمعيشية المتردية للبنغاليين حاضرة فضلا عن ازدياد التذمر ضد سياسات الحكم الفردي والمطلق لمجيب الرحمن؛ والأعاصير المدمرة التي تعرضت لها، وافتقار البنيان الاقتصادي إلى هيكل صناعي فعال، وانتشار الفساد بصورة كبيرة. ولم يعتمد الشيخ مجيب أساليب فعالة لمواجهة هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، بل اتجه إلى نظام الحزب الواحد، وفردية السلطة؛ لذلك قام العسكريون ضده بانقلاب عسكري في (28 رجب 1395 هـ/15 أغسطس 1975م)، ونصب خاندكار أحمد مشتاق رئيسًا للبلاد، وقُتل الشيخ مجيب الرحمن.
وقد ترك الشيخ مجيب الرحمن خلفه ابنته الشيخة حسينة التي قادت المعارضة، وفاز حزبها رابطة عوامي في انتخابات (1416هـ= 1996م).
[تحرير] من مصادر الدراسة
محمد حسنين هيكل ـ أحاديث في آسيا ـ دار المعارف ـ لبنان ـ بدون تاريخ.
محمود شاكر ـ التاريخ الإسلامي المعاصر – القارة الهندية ـ المكتب الإسلامي ـ دمشق الطبعة الأولى ـ (1413 هـ= 1993م).
عبد المنعم المنشاط ـ انعكاسات الحرب الأهلية في باكستان ـ مجلة السياسة الدولية - عدد (26) - أكتوبر 1971م.
مصطفى علوي ـ الانعكاسات الدولية لانقلاب بنجلاديش ـ مجلة السياسة الدولية - عدد (42) - أكتوبر 1975.
الموسوعة العربية العالمية ـ مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع ـ السعودية ـ الطبعة الثانية - (1419هـ= 1999م).