سيف الدولة الحمداني
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
سيف الدولة الحمداني (919 - 967) هو علي بن عبد الله بن حمدان الحمداني التغلبي، من بني حمدان الذين تنتسب إليهم الدولة الحمدانية. و سيف الدولة لقبه و قد غلب عليه.
لقبه الخليفة العباسي سيف الدولة حين وفد عليه مع أبيه عبد الله بن حمدان، و أخيه الأكبر، فوصل الخليفة الأب، و أعطى ولديه لقبين، فلقب الأكبر الحسن ناصر الدولة، و الأصغر سيف الدولة.
غلبت دولة سيف الدولة ما عداها، بدأ صاحب حلب، ثم غلبت دولته ما عداها، و ارتفع به شأن بني حمدان حتى بلغوا شأواً عالياً.
كان راعياً للفنون و العلماء، و تزاحم على بابه الشُعراء و العُلماء، ففتح لهم بلاطه و خزائنه، حتى كانت له عملة خاصة يسكها للشعراء من مادحيه، و فيهم المتنبي و ابن خالويه النحوي المشهور، و الفارابي الفيلسوف الشهير، كما اعتنى بابن أخته أبو فراس الحمداني. و قال هو نفسه الشعر، و له أبيات جيدة.
اشتهر سيف الدولة بمقارعته الروم البيزنطيين على الحدود العربية، و كانت الحرب بينه و بينهم سجالاً.
فهرست |
[تحرير] المولد والنشأة
وُلد الأمير "سيف الدولة علي بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدون التغلبي" في (303هـ = 915م) في مدينة "ميافارقين" -أشهر مدن ديار بكر- على إثر تولي أبيه إمارة الموصل.
وقد عُني أبوه بتعليمه وتنشئته على الفروسية منذ نعومة أظفاره، وأظهر سيف الدولة استعدادا كبيرا ومهارة فائقة في القنص والرمي وركوب الخيل منذ صغره.
ولم يكد يبلغ العشرين من عمره حتى صار فارسا لا يُشَقّ له غبار، وخاض العديد من المعارك الطاحنة ضد أعداء الدولة والمتمردين عليها؛ سواء في الداخل أو في الخارج.
واستطاع الأمير الشاب أن يحقق انتصارا عظيما على البريدين الذين اقتحموا بغداد عام (330هـ = 942م) ودفعوا الخليفة العباسي "المتقي لله" إلى الخروج منها، واللجوء إلى الموصل للاستنجاد بالحمدانيين، فلما حقّق الأمير الشاب "علي بن أبي الهيجاء" النصر على البريدين بعد أن تعقبهم إلى المدائن، أنعم عليه الخليفة بلقب "سيف الدولة"، وأمر أن تُضرب باسمه الدنانير والدراهم.
[تحرير] الانتصار على البيزنطيين
وبدأ نجم سيف الدولة يعلو ويسطع منذ ذلك الحين؛ فحقق المزيد من الانتصارات على الروم والبيزنطيين، واستطاع أن يصدّ هجماتهم، كما تمكن من المحافظة على حدود الدولة الإسلامية ضد غاراتهم، واستطاع أن يتوغل داخل حدود الدولة البيزنطية.
وقد عُني سيف الدولة بتسليح جيشه في مواجهة استعدادات الجيش البيزنطي العسكرية القوية وتنظيمه الجيد، وتنوع تسليحه، فاتجه إلى توفير المال اللازم لتجهيز الجيش وتسليح الجنود، واهتم بتدريب رجاله وتربية جنوده تربية عسكرية صارمة.
واتخذ سيف الدولة مدينة "حلب" مركزا ليبدأ منها مرحلة جديدة من حياته؛ حيث أعلن إمارته على مناطق حلب والجزيرة الفراتية وإقليم الثغور والعواصم، وبدأ يدخل في مرحلة جديدة من الصراع مع الروم البيزنطيين والحروب الطاحنة معهم، واستطاع خلالها أن يحقق عدة انتصارات عليهم، ووجه إليهم العديد من الضربات المتلاحقة الموجعة، وألحق بهم سلسلة من الهزائم المتتالية.
[تحرير] الصراع مع الإخشيديين
وقد أثارت انتصارات سيف الدولة على الروم البيزنطيين حفيظة الإخشيديين الذين وجدوا عليه تلك البطولات والأمجاد، وخشوا من تعاظم نفوذه وقوة شوكته؛ فتحركوا لقتاله، ولكنهم ما لبثوا أن آثروا الصلح معه بعد أن لمسوا قوته وبأسه.
وبدأ الروم البيزنطيون يعيدون ترتيب صفوفهم وتنظيم قوتهم، وراحوا يهاجمون الثغور العربية في سنة (336هـ = 947م)، ولكن الأمير سيف الدولة الحمداني تصدّى لهم وتعقبهم، وجدد البيزنطيون هجماتهم مرة أخرى بعد عام، فتعقبهم سيف الدولة، وقتل منهم عددا كبيرا.
ولكن هجمات الروم البيزنطيين لم تتوقف؛ مما دفع سيف الدولة إلى تجهيز حملة كبيرة قوامها ثلاثون ألف فارس، وانضم إليهم جيش طرطوس في أربعة آلاف مقاتل، واستطاع اقتحام حدود الدولة البيزنطية، والتوغل داخل أراضيها، وفتح عددا من حصونها، وألحق بالبيزنطيين هزيمة منكرة، وأسر عددا من قادتهم؛ مما دفع البيزنطيين إلى طلب الهدنة منه، بعد أن ضاقوا ذرعا بالحروب الطاحنة التي كبدتهم العديد من الخسائر وأصابتهم بالوهن.
[تحرير] أعماله العسكرية
سيف الدولة الحمدانى كان أمير حلب، وكان بينه وبين الروم صراع دائم بصفته أمير الثغور، أو أن الثغور قد آلت إمرتها إليه، لا بصفته مجاهدًا أو بطلاً مغوارًا، إذ لم يكن كذلك كما تصفه كتب الأدب من خلال مدح المتنبى له. فقد كان سيف الدولة فى المعارك فى مؤخرة الجيش لا أمامهم؛ فينجو عند الهزيمة ويفخر عند النصر.
- (337هـ) دخل سيف الدولة بجيش كثيف بلاد الروم؛ غير أنه هزم وأخذ الروم كل ما بأيدى هذا الجيش الحمدانى، كما نال أهل "طرطوس" أذىً كثيرًا من الروم، ولم يستطع سيف الدولة حماية أحد من رعاياه لما اتصف به من خوف وخور.
- (339هـ) عاد سيف الدولة فدخل بلاد الروم بجيش عظيم فانتصر وأخذ عددًا كبيرًا من الروم أسارى، غير أن الروم قد قطعوا عليه الطريق أثناء العودة فهزموه وأخذوا ما معه من الأسرى وقتلوا أكثر من معه، ونجا سيف الدولة بنفر يسير معه لأنه كان فى مؤخره الركب.
- (343هـ) أغار على زبطرة وملاطية وهى ثغور إسلامية استولى عليها الروم، فقتل وأحرق وسبى، والتقى مع قسطنطين بن الدمستق فانتصر عليه وقتل أعظم رجاله، ثم التقى بجيش الدمستق عند "مرعش" وتغلب عليه، وأسر صهر الدمستق وابن ابنته.
- (345هـ) أحرز انتصارًا كبيرًا، وعاد إلى حلب غانمًا، فثارت ثائرة الروم وجمعوا جموعهم، وهاجموا بعض مدن المسلمين، وقتلوا وأحرقوا وسبوا ما شاء لهم هواهم ، كما ركبوا البحر إلى ميناء طرطوس فقتلوا من أهلها ثمانمائة وألف، وسبوا عددًا آخر وأحرقوا عدة قرى.
وكانت أعظم انتصارات سيف الدولة على الروم فى عام (348هـ). فقد دخل الروم "الرها" و"طرطوس" وقتلوا وسبوا وأخذوا الأموال، فقابل سيف الدولة بذلك بلاد الروم عام (349هـ) واستطاع إحراز النصر وفتح عدة حصون.
- (349هـ) قطع الروم على سيف الدولة طريق الرجعة، فقتلوا أكثر جيشه ونجا بصعوبة مع ثلاثمائة فارس، وسار جيش عظيم من أنطاكية باتجاه طرطوس فخرج عليه كمين من الروم فقتلوهم عن بكرة أبيهم ولم يفلت منهم سوى أمير أنطاكية وبه جراحات، ومن جهة ثانية دخل "نجا" غلام سيف الدولة بلاد الروم ورجع غانمًا.
- (351هـ) دخل الدمستق حلب، واستولى على دار سيف الدولة وكانت بظاهر حلب، وأخذ ما فيها من أموال وأمتعة ونساء، وقتل كثيرًا من أصحاب سيف الدولة، أما الأمير سيف الدولة فقد فر من بيته ومن حاضرته بعد أن ترك نساءه لخصمه، وبقى جيش الدمستق فى حلب تسعة أيام، وقد فعل الجند فيها كل ما هو سيّئ، وكان الروم قد دخلوا قبل ذلك عين زربة وهى أحد ثغور المسلمين المهمة.
ثم أعاد سيف الدولة بناء ثغر عين زربة وأرسل غلامه "نجا" فدخل بلاد الروم، إلا أن "نجا" لم يلبث أن خلع طاعة مولاه، وتحصن فى مدينة "حران"، ثم سار إلى أذربيجان وساعده فى التغلب عليها "أبو الورد" أحد الأعراب فى المنطقة فسار إليه سيف الدولة وتمكن من قتله.
- (354هـ) ثار أحد القرامطة واسمه مروان فى مدينة حمص وامتلكها من سيف الدولة، فأرسل إليه سيف الدولة مولاه بدر، فالتقيا فى معركة أصيب فيها مروان ومات، وفى الوقت نفسه أسر بدر فى هذه المعركة وقتله أصحاب مروان.
- (355هـ) تمت المفاداة بين سيف الدولة والروم، وكان من أسرى الحمدانيين أبو فراس الحمداني، ولم يلبث أن توفى سيف الدولة عام (356هـ).
[تحرير] نهضة شاملة
وبالرغم من الطابع العسكري والحربي لدولة الحمدانيين بصفة عامة، وإمارة سيف الدولة على نحو خاص، فإن ذلك لم يصرف الأمير "سيف الدولة" عن الاهتمام بالجوانب الحضارية والعمرانية.
فقد شيّد سيف الدولة قصره الشهير بـ"قصر الحلبة" على سفح جبل الجوشن، وتميز بروعة بنائه وفخامته وجمال نقوشه وزخارفه، وكان آية من آيات الفن المعماري البديع، كما شيّد العديد من المساجد، واهتم ببناء الحصون المنيعة والقلاع القوية.
وشهدت الحياة الاقتصادية ازدهارا ملحوظا في العديد من المجالات؛ فمن ناحية الزراعة كثرت المزروعات، وتنوعت المحاصيل من الحبوب والفاكهة والثمار والأزهار، فظهر البُرّ والشعير والذرة والأرز والبسلة وغيرها. كما ظهرت أنواع عديدة من الفاكهة كالتين والعنب والرمان والبرقوق والمشمش والخوخ والتوت والتفاح والجوز والبندق والحمضيات. ومن الرياحين والأزهار والورد والآس والنرجس والبنفسج والياسمين. كما جادت زراعة الأقطان والزيتون والنخيل. وظهرت صناعات عديدة على تلك المزروعات، مثل: الزيتون، والزبيب، كما ظهرت صناعات أخرى كالحديد والرخام والصابون والكبريت والزجاج والسيوف والميناء.
ونشطت التجارة، وظهر العديد من المراكز التجارية المهمة في حلب والموصل والرقة وحران وغيرها.
وشهدت الحياة الفكرية والثقافية نهضة كبيرة ونشاطا ملحوظا في ظل الحمدانيين؛ فظهر الكثير من العلماء والأطباء والفقهاء والفلاسفة والأدباء والشعراء.
وكان سيف الدولة يهتم كثيرا بالجوانب العلمية والحضارية في دولته، وظهر في عصره عدد من الأطباء المشهورين، مثل "عيسى الرَّقي" المعروف بالتفليسي، و"أبو الحسين بن كشكرايا"، كما ظهر "أبو بكر محمد بن زكريا الرازي" الذي كان أعظم أطباء الإسلام وأكثرهم شهرة وإنتاجا.
ومن أبرز الفلكيين والرياضيين الذين ظهروا في عصر الحمدانيين في بلاد الشام "أبو القاسم الرَّقي"، و"المجتبى الإنطاكي" و"ديونيسيوس" و"قيس الماروني"، كما عُني الحمدانيون بالعلوم العقلية كالفلسفة والمنطق، فلَمع نجمع عدد كبير من الفلاسفة والمفكرين الإسلاميين في بلاط الحمدانيين، مثل: "الفارابي"، و"ابن سينا".
أما في مجال العلوم العربية؛ فقد ظهر عدد من علماء اللغة المعروفين، مثل "ابن خالويه"، و"أبو الفتح بن جني"، و"أبو على الحسين بن أحمد الفارسي"، و"عبد الواحد بن علي الحلبي" المعروف بأبي الطيب اللغوي.
كما لمع عدد من الشعراء المعروفين، مثل "المتنبي"، و"أبو فراس الحمداني"، و"الخالديان: أبو بكر، وأبو عثمان"، و"السرى الرفاء" و"الصنوبري"، و"الوأواء الدمشقي"، و"السلامي" و"النامي".
وظهر كذلك عدد كبير من الأدباء المشهورين، وفي طليعتهم "أبو الفرج الأصفهاني" صاحب كتاب "الأغاني" الذي أهداه إلى سيف الدولة؛ فكافأه بألف دينار، و"ابن نباتة"، وظهر أيضا بعض الجغرافيين، مثل: "ابن حوقل الموصلي" صاحب كتاب "المسالك والممالك"…
ولم يلبث سيف الدولة أن عاجله المرض، ثم تُوفي في (25 صفر 356هـ = 10 فبراير 966م)، وقيل في رمضان، وهو في الثالثة والخمسين من عمره.
وقد ظلت آثار تلك النهضة الثقافية والحضارية ذات أثر كبير في الفكر العربي والثقافة الإسلامية على مدى قرون عديدة وأجيال متعاقبة.
[تحرير] مصادر ومراجع
- فنون الشعر في مجتمع الحمدانيين: د. مصطفى الشكعة – مكتبة الأنجلو المصرية – القاهرة – (1378هـ = 1958م).
- القائد سيف الدولة الحمداني: د. حمدان عبد المجيد الكبيسي – دار الشئون الثقافية العامة – بغداد – (1409هـ = 1989م.