كرستولوجيا
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
فهرست |
[تحرير] كريستولوجيا تنازليّة و تصاعديّة
منذ منتصف القرن العشرين بدأت الكريستولوجيا تأخذ حيّزًا مهمًّا في حركة الفكر اللاهوتي المسيحي. وبعد أن كانت المسيحانيّة القديمة تنازليّة أي أنها تنطلق من كون يسوع هو المسيح، الكلمة، ابن الله، حيث المُعطى الأوّل لهذا المفهوم اللاهوتي هو:
- التجسّد حيث "في البدء كان الكلمة والكلمة هو الله..." (يو1:1)
- الإيمان الذي ينطلق من فوق نزولاً، حيث ان يسوع الناصري من جوهر الله الآب، ويصل في نهاية مطافه الى أنّه من جوهر الانسان، أي أنه بشر مثلنا في كل شيء ما عدا الخطيئة.
الى ذلك أشارت المسيحانيّة الحديثة التصاعديّة الى أنها انطلقت من الانسان المسمّى يسوع، المحدود زمنيًّا ومكانيًّا، الى نقطة الوصول حيث أنّه ليس إنسانًا فقط إنما هو الله. ومع هاتين الحركتين التنازليّّة القديمة والتصاعديّة الحديثة أخذت هذه الأخيرة في البروز على حساب الأولى ممّا أحدث انقلابًا مهمًّا بالنسبة للكريستولوجيا المعاصرة حيث لم يعد التجسّد وحده هو المحور الذي يشدّد على طبيعة المسيح الإلهيّة-الإنسانيّة دون أن يأخذ التدرّج البشريّ في فهم هذا السرّ تاريخيًّا انطلاقًا من موت يسوع وقيامته. لكن لا بدّ من الاقرار بأن هاتين الحركتين تتكاملان ولا تتناقضان. فالعودة الى الكتاب المقدّس في الخطاب الكريستولوجي أتاح لنا التوفيق بين صورتين للمسيح، الأولى ناجمة عن الكريستولوجيا التي ترتكز الى علم التفسير الكتابي، والثانية الى علم اللاهوت العقائدي المليئة بالتنظير اللاهوتي. وقد تبنّى هذا الخطاب الجديد قناعة الآباء الأوائل لأن مكان وضع اللاهوت هو في قراءة الكتاب المقدّس قراءةً هادئة، مفصّلة ومتماسكة من حيث تضامن معانيها الشاملة... فلا فصل في الكريستولوجيا الكينونيّة لأنه لا فصل بين يسوع التاريخي والمسيح موضوع إيماننا. فلذلك إنّ كان العبور من الانسانيّة الى الألوهيّة في شخص يسوع أمر ممكن، نجد أن العبور أيضًا من الألوهيّة الى الانسانيّة ممكنًا، لأنّ واحدهما يفترض قيام الآخر، فيسوع هو إله تَجَسَّد وليس إنسانًا أصبح إلهًا. وبيسوع لم يتخّذ الله إبنًا له، بل أعطانا إبنه الوحيد... ولا بدّ للتقليد من القبول بالتنازع القائم بين ضرورة الأمانة وواجب التجدّد. وعليه فإن المستوى التيولوجي أظهر لنا في الإزائيات وأعمال الرسل تجانسًا من الاهتمام اللاهوتي في القرن العشرين الذي ينطلق من يسوع كشخص ليصل الى لاهوته وكذلك حدث موته وقيامته ليصل الى تجسده. من ناحية ثانية إن النظرة الى شخص يسوع المسيح التي تبدو موضوعيّة فهي مرتبطة بالجوهر Ousia، الطبيعة Phusis والقناع Persona. في حين أنه في المسيحانيّة الحديثة تبدو متأثّرة بالفلسفة الحديثة وهي نظرة ذاتيّة مرتبطة بالكائن الذي يفكّر (ديكارت)، والذي يريد ويقرّر وينفّذ ويتحمّل المسؤوليّة ويتصرّف تصرّفًا أخلاقيًّا ويحقّق حريته في كلّ ذلك (كَنْتْ) ويكوّن علاقات للآخرين فيحقّق ذاته (هيغل) ويحيا في الزمان فيعي ذاته داخل الزمان (هايديغر). وهذه اللغة العصريّة هي أنتروبولوجيّة ووجوديّة وواقعيّة وتاريخيّة تعكس اهتمام انسان القرن العشرين.
[تحرير] التعليم العقائدي والمجامع
أما لجهة تعليم الكنيسة العقائدي حول شخص يسوع المسيح فقد عبّرت عنه بقرارات مجمعيّة منذ القرون الأولى والتي تطرّقت الى سرّ المسيح:
- نيقية 325 والذي عُقِد لمحاربة عدة بِدع نذكر منها:
- مذهب التبنويّة Adoptianisme يدّعي أن يسوع لم يكن إلهًا، بل تبنّاه الله فأصبح إلهًا.
- مذهب آريوس الذي لم يشكّ في إنسانيّة يسوع إنما شكّ في ألوهيّة المسيح وذلك لشدّة إيمانه بتسامي الله وتعاليه.
وفي هذا الإطار ردّ المجمع المذكور ب "نؤمن... بربٍّ واحدِ يسوع المسيح، ابن الله، المولود الوحيد من الآب، أي من جوهر الآب.. وبناءً على ما صدَر طهّر المجمع المفاهيم اللاهوتيّة من التفلسف الذي وقعت فيه بدعة آريوس. مع الإشارة الى أنّ حركة نيقيا هي تصاعدية تنطلق من يسوع الانسان الى يسوع الإله.
- أفسس 431 ومحوره هو وحدة الألوهيّة والانسانيّة في شخص يسوع المسيح. ويأتي لاهوته تنازليًّا فينطلق من ألوهيّة المسيح التي أقرّها نيقيا وتساءل عن كيفيّة الاتحاد بين الطبيعتين مع أنّه لم يشكّ في ألوهيّة المسيح ولا في انسانيته. وقد طرح هذا التساؤل نسطوريوس الانطاكي إضافةً الى أنّه رأى في يسوع المسيح شخصين: الله الكلمة من جهة، ويسوع المسيح من جهة ثانية، مع استقلاليّة كل شخص عن الآخر إضافة الى رفضه للتجسد وأن تكون مريم أم الله.
وإزاء هذه الأفكار أعلن المجمع اعترافه بأن الكلمة صار واحدًا مع الجسد، إذ اتحد به اتحادًا شخصيًّا، مشددًا على عبادة الشخص الواحد، الإبن، والربّ، يسوع المسيح. وعدم تفرقته بين الله والانسان وعدم الفصل بينهما. امّا عن مريم العذراء أشار المجمع الى أنها ولدت بالجسد الإله الذي صار واحدًا مع الجسد بحسب الطبيعة، وسمّاها والدة الإله.
- مجمع خلقيدونية 451 الذي حرَم أوطيخا لتعاليمه الخاطئة والتي تركزت حول رفضه أن يكون المسيح من طبيعتين بعد الاتحاد، معتبرًا أن الطبيعة الالهيّة امتصّت الطبيعة البشريّة فلاشتها وزالت الانسانيّة في الألوهيّة.
واللغة الخلقيدونيّة التي اعتبرها اللاهوتيّون أكمل صيغة مسيحانيّة مع القسطنطينيّة 2 و 3 وملخصًا للمجامع الأخرى. نرى أن المجمع دعا الى ضرورة العودة الى الكتاب المقدّس، والى مجامع نيقيا، القسطنطينيّة الأوّل وأفسس معترفًا بقانون الإيمان الذي حُدّد في نيقيا-القسطنطينيّة. فميزة خلقيدونيا الأساسيّة هي الحفاظ على حقيقة انسانيّة يسوع التي كانت مهدّدة من أوطيخا ومن بعده في لاهوت الطبيعة الواحدة Monophysisme. أخيرًا تجدر الإشارة الى أنّه بين المستوى التيولوجي (بين نقطة انطلاق المسيحانيّة ونقطة وصولها) والمستوى الأنتروبولوجي (بين الشخص وتاريخه) لا بدّ أن يكامل المستويين بعضهما ففي المسيحانيّة القديمة ما أعطى للمسيحانيّة الجديدة تفسيرها لتواكب وتحدّث العصور القادمة، حيث لا أولويّة للواحدة على الأخرى. فالمسيح هو انسان حقيقي أخذ كل شيء من الطبيعة البشريّة، الجسد والنفس والإرادة والحريّة، وقد كان متحدًا بالله في عمق كيانه، فهو "ابن الله المولود من الآب قبل كل الدهور... إله حقّ من إله حقّ، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر".
[تحرير] المصادر
* جوزيف سمعان إعلامي ومتخصّص في علم اللاهوت